سويسرا.. تلك الدولة التي رفعت (الصليب) شعاراً لها في علمها، واختارت اللون الأحمر تذكاراً لحروبها الصليبية الملطخة بدماء الأبرياء، هذه الدولة التي زعمت ولازالت تزعم أنها تراعي حرية الأديان تكشف الآن عن وجهها الحقيقي، وتظهر عداءها وخوفها من (الإسلام) فقط لا غيره كدين، وتسمح بالتصويت على إظهار شعار يمثلهم في مجتمع يصل فيه عدد المسلمين ما يقارب نصف مليون نسمة.
بعض (السذج) من كتابنا ومحللينا دافع وبقوة - ليست غريبة عليه - عن سويسرا في قرارها منع المآذن وادعى بأنه لا يدل على عداء للمسلمين أو مضايقة لهم وأن المساجد يسمح لها بالبناء، ولا يخفى على هؤلاء (المائلون) للغرب في أهوائهم أن هذا الاستفتاء الغريب من نوعه في دولة تدّعي الحريات سيفتح الباب لأي استفتاء في المستقبل ضد المسلمين بالخصوص، فما المانع أن نرى استفتاء في المستقبل في السماح للمسلمات بلبس الحجاب، أو بالسماح لوجود حلقات تحفيظ القرآن، أو بجمع تبرعات للمسلمين، أو غيرها من الاستفتاءات التي تنطلق من روح الكراهية التي بدأت تنتشر وبقوة في أوروبا ضد المسلمين.
إن حظر المآذن في سويسرا ليس مقصوداً لذاته ولم يخرج من فراغ، بل هو دليل على تحول كبير في عقلية الشعوب الأوروبية والرجوع بها الى زمن العصور الوسطى التي كانت تسيطر عليها العصبية الدينية ونفس إلغاء الآخر لا تقبله فضلاً عن الحوار معه، وإن كنت أعلم بأن ليس جميع الشعب السويسري ينظر إلى المسلمين نظرة خوف أو كراهية لكن الاستفتاء يظهر النظرة الغالبة على هذا الشعب، والغريب أن السويسريين ربما يكونون أقل كراهية لغيرهم كالألمان والفرنسيين مثلاً ومع هذا فقد وصل أكثرهم للقناعة بأفكار اليمين المتطرف، فما بالك بشعوب الدول الأخرى؟!
إن منع المآذن في سويسرا نوع من (إهانة) المسلمين سواء الذين يعيشون فيها أو في غيرها، فهذه الدولة (الصليبية) تعلم بأن مساجد المسلمين في هذا الزمن تميزها هذه المآذن بعد أن منعت من رفع صوت الأذان منها، وهي بهذا القرار لابد أن تتوقع ردة فعل مناسبة من جميع المسلمين في العالم إلا اذا كان المسلمون لا تؤثر الجراح بهم ولا يهمهم أمر دينهم.
أنا لا أدعو إلى إحراق علم (السويسريين) أو الاعتداء على سفاراتهم أو السب والشتم فهو لن يؤثر في شعوب أوروبا التي بدأت تشتاق لحروبها الصليبية ضد الإسلام والمسلمين، ولكني أدعو لعقد مؤتمرات لتنظيم عمل حقيقي ضد الكراهية المتنامية ضد المسلمين في أوروبا، فقوانين منع الحجاب ومنع توظيف المحجبات في بعض الأماكن، وأجهزة الإعلام المُسخّرة لتأجيج الشعوب ضد المسلمين، وتجفيف منابع المشاريع الإسلامية، وغيرها من الدلائل التي استفحلت في الشعوب الأوروبية وحكوماتها، تريد وقفة جماعية من الدول الإسلامية، وإن كان حكام المسلمين أكثرهم لن يبالي بما يصيب الإسلام والمسلمين، فإن علماء المسلمين الصادقين هم ولاة الأمر لهذه الأمة، واذا اجتمعوا على كلمة واحدة فإن الشعوب سيكونون وراءها، وليوقفوا بداية (مسرحية) حوار الأديان فإن فصولها باتت سامجة وليفكروا جدياً بالخطوات العملية لإرجاع المسلمين إلى عزهم.
العلماء هم ورثة الأنبياء، والأمة تنتظر منهم الكثير، ولا ثقة في الأمة إلا بالصادقين المخلصين منهم، فإذا اجتمعوا على كلمة واحدة فالأمة معهم، يجب قبل اجتماعهم ان تجهز لهم الدراسات الحديثة الدقيقة عن مظاهر العداء المتنامي في الغرب ضد المسلمين، ودراسات عن أسباب هذا العداء ومدى تأثير أجهزة الإعلام فيه، ودراسات دقيقة عن حجم وجود المسلمين في الغرب ومدى تأثيرهم فيه، فالقضية يجب أن تدرس دراسة صحيحة ثم على أساسها توضع التوصيات والحلول العملية، وتلزم الأمة شعوباً (وحكومات) بقراراتها، وإن كنت أستبعد التزام الحكومات ولكن الشعوب لها تأثيرها ولو المحدود في حكوماتها أو أجهزة إعلامها على الأقل.
لنكن صريحين.. الغرب يعلم بأن أسرع دين ينتشر في العالم هو (الإسلام)، بل الإحصائيات تبين إمكانية تحول بعض دول أوروبا إلى دول إسلامية بمرور الزمن، وهو يعلم بأن (الإسلام) هو (خصمه) القادم وبقوة، وحضارة الإسلام الحقيقية ستغطي على حضارتهم الظاهرية الزائفة ولو بعد حين، ولهذا هو يسعى جاهداً لإيقاف المد الإسلامي عبر قوانين يصدرها ضد المسلمين، ولكن هيهات...
مهما أخفوا حقدهم فالله سيظهره، ومهما حاولوا صد الإسلام عن الانتشار فالله سيكتب له ذلك، {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [سورة الصف: 8].