الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،
وبعد..فقد اطلعت الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان على المقالة التي نشرت بجريدة الوفاق تحت عنوان مولد المصطفى بتاريخ 12/ربيع الأول/1426ه الموافق 21/4/2005م والمتضمن الكفر الصريح الواضح والردة البينة والمتمثلة فيما يلي:
القذف الصريح للنبي - صلى الله عليه وسلم - باتهام أمه بالزنا..ونص المقالة هو: "إن القارئ المدقق للأحداث التي رويت عن هذه الفترة سيجد حقائق أغفل عنها كل من تناول سيرة محمد.. وكلها تثبت أن محمدا ليس ابن عبد الله!! فيجد أن عبد الله وأبوه عبد المطلب تزوجا في يوم واحد، تزوج عبد الله آمنة وتزوج عبد المطلب هالة، حملت آمنة بمحمد بعد الزواج مباشرة ومات أبوه وأمه حامل به، أنجب عبد المطلب حمزة وكان حمزة أكبر من محمد بأربع سنوات مما يدل على أن الحمل بمحمد وولادته جاءت بعد الحمل بحمزة وولادته بأربع سنوات، عبد الله مات بعد الزواج بآمنة ولم يمكث معها إلا شهوراً قلائل، إذا المولود بعد سنوات من موت عبد الله لا يمكن أن يكون ابن عبد الله، إلا إذا كان محمد مكث في بطن أمه أربع سنوات، آمنة تعترف أن الحمل بمحمد سبقه حمل أخر مرة أو مرات، هل لمحمد إخوة؟ من هم وأين ذهبوا أو طمست سيرتهم؟ ".
وجاء في نفس المقال وصف لنبي الله إبراهيم - عليه السلام - بأنّه شيخ يستقسم بالأزلام، ولا شك أن في هذا تكذيباً لصريح القرآن في شأن إبراهيم - عليه السلام -، قال - تعالى -: ((إن إبراهيم كان أمّةً قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين))، كما جاء في المقال قذف عمرو بن العاص بابن العاهرة.
وغير ذلك مما لا يتسع المقام لسرده، وبعد إحالة المقال إلى لجنة الفتوى بالرابطة صدر ما يلي:
إن سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - والانتقاص منه والطعن فيه وفي رسالته من نواقض الإيمان، التي توجب الكفر ظاهراً وباطناً، سواء استحل ذلك أولم يستحله.. لعدة اعتبارات منها:
(أ) جاء في القران الكريم آيات كثيرة تدل على كفر من آذى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسب أو استهزاء أو طعن أو تشكيك، فمن ذلك:
1/ قوله - تعالى -: ((ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين امنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم، يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق إن يرضوه إن كانوا مؤمنين، ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالداً فيها ذلك الخزي العظيم))[التوبة: 61-63]، يقول ابن تيمية: "فعُلم أن إيذاء رسول الله محادة لله ورسوله، لأن ذكر الإيذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادة، فيجب أن يكون داخلاً فيه، ولولا ذلك لم يكن الكلام مؤتلفاً إذ أمكن أن يقال: إنه ليس بمحاد، ودلّ ذلك على أن الإيذاء والمحادة كفر؛ لأنه أخبر أن له جهنم خالداً فيها، ولم يقل هي جزاؤه، وبين الكلاميين فرق، بل المحادة هي المعاداة والمشاقة وذلك كفر ومحاربة، فهو أغلظ من مجرد الكفر، فيكون المؤذى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كافرا عدوا لله ورسوله، لأن المحادة اشتقاقها من المباينة بأن يصير كل منهما في حد".
2/ قوله - تعالى -: ((يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون، ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين))[التوبة: 64-66] يقول ابن تيمية: "وهذا نص في أن الاستهزاء بالله، وبآياته وبرسوله كفر، فالسب المقصود بطريق الأولى، وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاداً أو هازلاً فقد كفر".
3/ قوله - تعالى -: ((إن شانئك هو الأبتر))، أخبر - سبحانه وتعالى - أن شانئه أي مبغضه هو الأبتر، والبتر هو القطع فبين - سبحانه - أنه هو الأبتر بصيغة الحصر والتوكيد، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "إن الله - سبحانه - بترَ شانئ رسوله من كل خير فيبتر ذكره وأهله وماله فيخسر ذلك في الآخرة ويبتر حياته فلا ينتفع بها ولا يتزود فيها صالحاً لمعاده ويبتر قلبه فلا يعي الخير ولا يؤهله لمعرفته ومحبته والإيمان برسله ويبتر أعماله فلا يستعمله في طاعته ويبتره من الأنصار فلا يجد ناصراً ولا عوناً ويبتره من جميع القرب والأعمال الصالحة فلا يذوق لها طعماً ولا يجد لها حلاوة وإن باشرها بظاهره فقلبه شارد عنها".
(ب) وردت أحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على كفر الساب له - صلى الله عليه وسلم - منها:
عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رجلاً أعمى كانت له أم ولد تشتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، قال فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي - صلى الله عليه وسلم - وتشتمه، فاخذ المغول فوضعه في بطنها، واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجمع الناس فقال: انشد الله رجلاً فعل ما فعل، لي عليه حق إلا قام، فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أنا صاحبها، كانت تشتمك، وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وازجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كانت البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته على بطنها، واتكأت عليها حتى قتلتها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اشهدوا أن دمها هدر)، يقول الخطابي: "فيه بيان أن ساب الرسول - صلى الله عليه وسلم - مهدر الدم، وذلك أن السب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارتداد عن الدين، ولا أعلم أحداً من المسلمين اختلف في وجوب قتله".
وثبت في الصحيحين من حديث مالك عن الزهري عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه، وابن خطل رجل من بني تميم يقال له ابن عبد العزى بن خطل لما أسلم سمي عبد الله، وبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصدقاً وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان معه مولىً له فغضب عليه غضبة ً فقتله ثمّ ارتد مشركاً، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين، فلهذا أهدر النبي - صلى الله عليه وسلم - دمه ودم قينتيه فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة.
يقول القاضي عياض: "دلت نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة على تعظيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره واحترامه، ومن ثم حرم الله - تعالى -أذاه في كتابه، وأجمعت الأمة على قتل منتقصه من المسلمين وسابه، قال الله - تعالى -: ((إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً))[الأحزاب: 57]، وقال - تعالى -: ((وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلك كان عند الله عظيماً))[الأحزاب: 53].
(ج) أجمع العلماء على كفر شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد حكى الإجماع جمع من كثير من أهل العلم، نذكرهم على النحو التالي:
1/ فهذا ابن تيمية يورد إجماع الصحابة بقوله: - وأما الصحابة فلأن ذلك نقل عنهم في قضايا متعددة ينتشر مثلها ويستفيض، ولم ينكرها احد منهم فصارت إجماعا.. فمن ذلك ما رواه سيف بن عمر التميمي في كتاب (الردة والفتوح): "لما رفع إلى المهاجر بن أبي أمية وكان أميرا على اليمامة ونواحيها أنّ امرأة مغنية تشتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقطع يدها ونزع ثنيتها، فكتب إليه الصديق - رضي الله عنه -: بلغني الذي سرت به في المرأة التي تغنت وزمزمت بشتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلو لا ماقد سبقتني لأمرتك بقتلها، لأن حد الأنبياء ليس يشبه الحدود، فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد، أو معاهد فهو محارب غادر، وقد ذكر هذه القصة غير سيف".
2/ وقال اسحق بن راهويه: "قد أجمع العلماء أن من سب الله عزوجل أو سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو دفع شيئاً أنزله الله، أو قتل نبياً من أنبياء الله، وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر".
3/ ونقل أبو بكر الفارسي، أحد أئمة الشافعية، في كتاب الإجماع أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - مما هو قذف صريح كفر باتفاق المسلمين فلو تاب لم يسقط عنه القتل، لأن حد قذفه القتل، وحد القذف لا يسقط بالتوبة.
4/ ويقول القاضي عياض: ".. ولا نعلم خلافاً في استباحة دمه يعنى ساب الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين علماء الأمصار وسلف الأمة، وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره".
5/ وقال ابن حزم: "ومن أوجب شيئاً من النكال على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو وصفه، وقطع عليه بالفسق، أو بجرح شهادته فهو كافر مشرك مرتد كاليهود والنصارى حلال الدم والمال، بلا من أحد من المسلمين".
6/ ويقول السبكي: "أما سب النبي - صلى الله عليه وسلم - فالإجماع منعقد على أنه كفر والاستهزاء به كفر".
7/ قال الإمام أحمد: "من شتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو تنقصه مسلماً كان أو كافراً فعليه القتل".
8/ قال أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة: "وأيما مسلم سب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو كذبه أو عابه أو تنقصه فقد كفر بالله وبانت منه امرأته".
9/ قال ابن القاسم عن مالك في كتاب ابن سحنون، والمبسوط، والعتبية وحكاه مطرف عن مالك في كتاب ابن حبيب: "من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين قتل ولم يستتب".
وبناءً على ماسبق فإن القائمين على تحرير هذه الصحيفة قد تعرضوا لجناب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالطعن والتشكيك في نسبه ورموه بما رمت به اليهود عيسى بن مريم وأمّه كما قال - تعالى -((وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً)) فكفروا ظاهراً وباطناً سواء استحلوا ذلك أولم يستحلوه..
وإن لم يقولوه أو يكتبوه فقد نقلوه وقد تقرر عند العلماء أن حاكي الكفر وناقله يكفر إذا لم تكن حكايته للكفر ونقله على وجه النكير ولم يتضمن نقل الصحيفة نكيراً في ذات العدد ونفس المقال وعليه فحكم الشرع في القائم على أمر الصحيفة والمشارك في صدور العدد المتضمن تلك المقالة هو:
أولاً: أن يقتلوا ردة.
ثانياً: أن تغلق الصحيفة ويلغى تصريحها من الجهة المعنية لأنها استخدمت في نشر الكفر والردّة.
هذا ما ندين الله به وهو الهادي إلى سواء السبيل.
الموقعون على الفتوى
1- فضيلة الشيخ الأمين الحاج محمد أحمد رئيس الرابطة
2- فضيلة الشيخ سليمان عثمان أبو ناروا نائب رئيس الرابطة
3- فضيلة الشيخ د. علاء الدين الأمين الزاكي الأمين العام للرابطة
4- فضيلة الشيخ محمد عبد الكريم
5- فضيلة الشيخ د. عبد الله الزبير عبد الرحمن
6- فضيلة الشيخ عمر عبد الخالق
7- فضيلة الشيخ د. إسماعيل حنفي الحاج
8- فضيلة الشيخ مدثر أحمد إسماعيل
الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة