أبو حمدي
مشرف منتدى القرى الفلسطينية
نقاط : 269 عدد المساهمات : 78 السٌّمعَة : 2 تاريخ التسجيل : 16/10/2008
| موضوع: قرية شقبا الأحد ديسمبر 06, 2009 1:48 pm | |
| تقع قرية شقبا غرب محافظة رام الله ,وتبعد عن المدينع حوالى 35كم , ويوجد ثلاثة مداخل للقرية : 1- المدخل الشمالي:وهو عبارة عن طريق للمستوطنين وهو قرب قريه دير ابو مشعل وقريه عابود 2-مدخل شبتين :وهو ايضا مدخل من طربق للمستوطنين 3-المدجل الجنوبي :وهو الطريق الواصل ما بين شقبا وقرية قبيا
وبالنسبه الى عدد السكلن في القريه فان اخر تقدير لعدد السكان يقول ان العدد يتراوح ما بين (4000-4500) نسمة
وايضا توجد ثلاث عائلات رئيسية في القريه وهي من الاكبر : -عائلة شلش -عائلة المصري -عائلة قدح وايضا هنالك عائلات مثل دار حسان ,ودار ثابت
وعندي الكثير من المعلومات عن القريه ,سوف اوافيكم بها تباعا لانها كثير واليوم اريد ان اقدم لكم نبذة وشرح عن المعلم الحضاري الكبير الموجود في القريه وهومغارة شقبا التابعه لعصر النضوفيون :
الحضارة الناطوفية وقرية شقبا
نشأت الحضارة الناطوفية
يعود تاريخ الاستيطان البشري في فلسطين إلى أكثر من مليون ونصف المليون سنة من الآن، وقد تم التعرف خلال التنقيبات الأثرية التي جرت في فلسطين منذ نهايات القرن التاسع عشر على مخلفات إنسانية تعود بتاريخها إلى أقدم العصور الحجرية.و في وادي النطوف القريب من قرية شقبا غربي رام الله ، عثر المنقبون على مخلفات يعود بعضها للمرحلة الثانية من العصر الحجري القديم 70.000-35.000 ق.م، وأحدثها يعود إلى العصر الحجري الأوسط 14.000-8.000 ق.م، أو الحضارة النطوفية نسبة إلى هذا الوادي. اكتشفت هذه الحضارة لأول مرة عام 1928م على يد المنقبة دوروثي غارود في الكهف والمعروف ب"مغارة شقبا"، وهي تعتبر الخطوة الأولى للإنسان على طريق بناء أول مجتمعات زراعية في التاريخ. استمر العصر الحجري الوسيط نحو ستة آلاف عام، وسكن فيه الناس في الكهوف والمغاور، إلا إنهم تمكنوا خلاله من زيادة عدد أدواتهم الحجرية وتصير حجمها وتحسين صنعها بحيث أصبحت أكثر
مغارة شقبا الواقعة في وادي الناطوف
زاول إنسان هذا العصر مهن الالتقاط والجمع وصيد
الحيوانات البرية وأيضاً الأسماك في الوديان كوادي النطوف ووادي خريطون جنوب شرق بيت لحم والتي كانت مياههما غزيرة فيما مضى، رغم أنها جدباء اليوم. حصلت الثورة الأساسية في العصر الحجري بين عامي 10.000و 8000 قبل الميلاد، وهذه الفترة تشكل مرحلة انتقالية بين العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث، أو بعبارة أخرى بين نمط التنقل والتجول من أجل الصيد والتقاط القوات إلى نوع من حياة الاستقرار حيث أصبح الإنسان منتجاً لقوته بنفسه وجد في أحد كهوف الكرمل العائدة لهذا العصر جمجمة كلب كبير يستدل منها أن الإنسان ابتدأ في نهاية العصر الحجري الوسيط في تدجين الحيوانات. والآثار التي عثر عليها في أريحا والعائدة لأواخر هذا العصر تدل على تدجين البقر والماعز والغنم والخنازير. باهتداء الناس إلى تدجين الحيوانات اضطروا للانتقال إلى نمط حياة جديد، وهو حياة البداوة والتنقل بقطعان ماشيتهم من مرعى إلى آخر، وهكذا أصبحوا رعاة بعد أن كانوا صيادين وجامعين لقوتهم.
عند بداية العصر الحجري الحديث (حوالي 8000 ق.م) دخل سكان فلسطين في مرحلة جديدة طوروا فيها مهاراتهم في الزراعة، وأصبحوا يتمتعون بنوع أعلى من الاستقرار، حتى أنهم بدءوا يطورون بعض المعتقدات الدينية والمفاهيم الفنية. يبدوا أن الناس في هذه الفترة كانوا يقدسون أسلافهم، حيث عثر على مجموعة من الجماجم المفصولة عن هياكلها العظمية في أريحا تعود إلى هذا العصر، كما أنهم عبدوا القمر لأنه أكثر نفعاً وتلطفاً من الشمس في بلاد حارة وجافة مثل فلسطين. عثر المنقبون في كهوف الكرمل على رسم لثور حفر بأدوات عظمية على قطعة من الحجر الطباشيري منحوتة على صورة رأس إنسان. تتمثل حضارة سكان فلسطين في هذا العصر بالأدوات الحجرية المصقولة وبالصحون الحجرية والهواوين والمداق والمناجل الصوانية المثبتة على قبضة خشبية، والتي يظن أنها كانت تستعمل لحصاد القمح. عثر المنقبون على الكثير من هذه الأدوات في مغارة شقبا وفي أريحا ومناطق أخرى. معظم الأدوات الصوانية في أريحا مصنوعة من مادة السبج (الأوبسديان) وهي مستوردة من بلاد الأناضول. ويستدل من هذه الأدوات على أن سكان فلسطين هم أول من مارس الزراعة في العالم. عهد الناس في هذا العصر بالمهنة الجديدة إلى نسائهم وأولادهم، أما الرجال فقد ظلوا منصرفين إلى أعمال الصيد والرعي والغزو. زرع السكان القمح والشعير والدخن، وهو نوع من الذرة، ثم زرعوا العنب والتين والزيتون وأنواعاً من الخضراوات.
عثرت عالمة الآثار البريطانية المشهورة "كاثلين كنيون" التي نقبت في تل السلطان في أريحا بين عامي 1952-1958 على مدينة متكاملة تعود لهذا العصر، واكتشفت أبنية عمومية من الحجارة يبلغ ارتفاع بعضها عشرة أمتار، وسوراً خارجياً به برج مستدير قطره 13 متراً يصعد إليه بإحدى وعشرين درجة. يعتبر سور أريحا وبرجها أقدم بناء حجري عثر عليه حتى الآن في العالم، ويعود تاريخ بنائهما إلى سنة 7000 ق. م. وبذلك استحقت أريحا عن حق لقب أقدم مدينة في العالم والبلد الذي شهد ظهور أول نواة لحكومة مركزية في التاريخ.
ليس واضحاً حتى الآن إن كانت هذه الفترة قد انتهت في مدينة أريحا بسبب عوامل طبيعية كالزلازل أو على يد فاتحين جدد، لكن كينيون تذكر بأن هجرة سكانية ربما تكون قد حصلت لموقع أريحا بين هذا العصر والعصر اللاحق، أما من الناحية الاقتصادية فيبدو أن الإنسان في هذه الفترة كان لا يزال يعتمد في حياته على الصيد إلى جانب النباتات التي دجنها وزرعها مثل الشعير والقمح والبازلاء والعدس والنباتات العلفية.
يقسم المؤرخون العصر الحجري الحديث إلى قسمين: قبل الفخاري(8000-6000ق.م)، والفخاري(6000-4500ق.م) كما تشير التسمية، يتميز الجزء المتأخر من هذا العصر، أكثر من أي شي آخر، باكتشاف الفخار، كان لهذا الاكتشاف أثر عظيم، ليس على إنسان العصور الحجرية فقط، بل وأيضاً على كل العصور التي تلته. لقد حرر الفخار إنسان العصور القديمة من عبوديتة للصخر الصعب التشكيل الذي حد من قدرته على الإبداع وتنويع أدوات عمله واليوم يعتبر الفخار أفضل وسيلة لدى الأثريين المعاصرين لدراسة حضارات العالم القدي
الفن الحضاري عند الناطوفين
الفن هو تعبير الإنسان عن ذاته ، ودراسة الفنون الشعبية هي إحدى محاولات الكشف عن تلك الذات ، الذي يتمثل في الإبداع الفني الذي يميز الإنسان في مجتمع ما عن غيره من المجتمعات الإنسانية ،وقد ظهر الاهتمام بالتراث الفني وتسجيله والاعتزاز به ، كظاهرة تراثية قومية ، مع اليقظة القومية للشعوب في القرن التاسع عشر ، حين برزت أهمية التراث الشعبي كأحد العناصر المهمة في الحافظ على الروح القومية ، من خلال الشخصية الثقافية المتميزة للمجتمع ، وقد شجع هذا الاتجاه ، الفنانين والمثقفين على دراسة التراث بمفهومه الواسع ، والأخذ من عناصره لتدعيم إبداعاتهم والعمل على تطويرها ، حتى أصبح الفن الآن علما قائما بذاته ، يدرس المأثورات والإبداعات الفنية ، والإنسان من حيث إنه كائن ثقافي.
نشأ الفن منذ آلاف السنين نشأة طبيعية في حياة الإنسان ، بعد أن استطاع توفير حاجاته الأساسية ، من مأكل ومشرب ومسكن ، وأصبح لديه في مرحلة العصر الحجري المتوسط ( 10.000 - 8000 ق . م ) وتنتسب إلي وادي الناطوف
من أهمها وادي الناطوف غرب قرية شقبا مدينة عنان ملاحة في وادي الحولة إلي الشرق من بحيرة الحولة على أعتاب جبال الجليل ، وفي منطقة جبال الكرمل قرب مدينة حيفا .
شكلت إنجازات الناطوفيين المتميزة في المجالات الاجتماعية والسياسية والعمرانية والفنية ، الأساس المتين للتقدم الحضاري في الوطن العربي ، ويقارنها بعض المختصين بالثورة الصناعية التي بدأت في القرن الثامن عشر الميلادي ، إذ يتبين من النماذج الفنية التي عثر عليها في ملاحة (عنان ) من المرحلة الناطوفية ، أنها كانت من أوائل النماذج ، الفنية في منطقة الشرق القديم ، وقد عبر إنسان ملاحظة في هذه الفنون عن دوافعه الفنية ، بما يضيف بعدا حضاريا جديدا إلي منجزاته الحضارية ، فقد قدم إنسان ملاحظة صور فنية ذات خصائص هندسية وألوان متميزة ،استخدم فهيا الألوان الحمراء ( أكسيد الحديديك ) الأحمر في زخرفة بعض ما صنعه من عقود وأدوات زنة ، كما استخدم هذا اللون في دهن جسمه أحيانا.
وعثر على آثار مماثلة للناطوفية في كل من سوريا ولبنان ،مما دعا فريقا من المؤرخين إلي تعميم مصطلح الناطوفية على مواقع هذه المرحلة في بلاد الشام ،حيث تميزت الحياة الناطوفية في فلسطين ، وبلاد الشام ، بمميزات تتمثل في تربية المواشي ، والزراعة ، كما تميزت بتطور كبير في المجال الفني الذي سبق اكتشاف الخزف ،ويرى بعض المختصين وجود تشابه بين المواقع الناطوفية في فلسطين والمواقع الأثرية المماثلة في حلوان قرب القاهرة في مصر ، وتبقى فلسطين الموطن المميز لهذه الحضارة في المنطقة وخصوصاً في وادي الناطوف
وتشير الأدلة الأثرية إلي استمرار هذه الظاهرة الحضارية عبر العصور الحجرية في فلسطين ، فقد كشفت الحفريات الأثرية في أريحا الأثرية - تل السلطان - عن أبزز المعالم الحضارية للعصر الحجري الحديث في فلسطين ، وذلك بالعثور على مدينة متكاملة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ، وقد اعتبرها المختصون أول نواة لحكومة المدينة التي ظهرت بعد ذلك .
يقع تل السلطان الأثري على مسافة أكثر من كيلومترين إلي الشمال من المدينة الحالية ، ويبلغ ارتفاعه نحو 18 مترا وأبعاده حوالي 300 متر في 2160 مترا ، ويشغل مساحة حوالي أربعة هكتارات ،وبالقرب منه يوجد نبع ماء يعرف بعين السلطان - على مسافة ستة أميال شمال البحر الميت . وفي مجال الهندسة والبناء تعتبر أريحا - تل السلطان - أقدم مدينة بالأسوار والأبراج الدفاعية في الشرق العربي ، وربما في العالم ، حيث اكتشفت مدينة تتمتع بأنظمة ،إلي جانب نظام دقيق لتزويد المدينة بالمياه ، وإن الأسلوب الهندسي الذي اتبع في بناء السور والأبراج من الحجارة وكيفية الاتصال بينها ، وإحاطة أسوار المدينة بخنادق من المياد ، إلي جانب تخطيط المدينة ، يعد نموذجا هندسيا مميزا في هذه المرحلة من الزمن .
تشير الأدلة التي تم الكشف عنها في عدة مناطق في فلسطين ، وتعود إلي هذه المرحلة ، وحفظت في متحف الآثار الفلسطيني ، إلي أن الفنان الفلسطيني قد أنجز أعمالا فنية متميزة ، من رسم ونحن تصوير للمظاهر الطبيعية المختلفة ، فصنع التماثيل الإنسانية والحيوانية والأقنعة ، مستخدما في ذلك مواد مختلفة ،منها العظم والطين والحجارة ، والأصداف ، والخشب ،والعاج ، التي تعد من أبرز النماذج الفنيةالتي أنجزها إنسان ما قبل التاريخ في الوطن العربي القديم ،كما عثر في بعض كهوف الكرمل وكهف الناطوف على عدة نماذج فنية للنحت على الحصى الكلسية والعظم تمثل الإنسان والحيوان ، ومن بين المعثورات تمثال صغير من العظم يعد من أفضل الأمثلة المعروفة للفن التشكيلي في فلسطين .
ساعدت حياة الاستقرار التي عاشها الإنسان الفلسطيني في العصور الحجرية ، قبل العصر التاريخي ، حوالي الألف الثالث ق . م ، في تجميع خبراته ، وتحقيق عدة مظاهر ثقافية متميزة في مجالات متعددة ، وخاصة في المجالين الديني والفني ، ثم انتقالها في شكل تقاليد حضارية متوارثة في عصور ما قبل التاريخ ، وامتدت وتطورت مع التطور الحضاري الكبير الذي حققه الإنسان الفلسطيني عبر التاريخ .
وفي العصر التاريخي حوالي الألف الثالث ق . م توصل الإنسان إلي معرفة الكتابة والتسجيل ،وصنع التمائم من مواد مختلفة ،كالطين والعظم وغيرها ،في صورة تماثيل وجسدها وشكلها في صور مختلفة ، كي يلتمس رضاها ويحصل بواسطتها على الحماية من الأشياء التي يخشاها ، فقدسها وخصص لها أماكن ( معابد ) لإقامتها ، وقدم لها القرابين والنذور ، وأطلق عليها أسماء خاصة تجمع فيها صفاتها ، مثل إله الخصب والإنبات ، وإله المطر ، وإله العواصف وإله الحب وإله الحرب وغيرها .
النطوفيون اصل المجتمعات الحديثة
وتعتبر الفترة النطوفية الخطوة الأولى على طريق المجتمعات الزراعية في بلاد الشام، كونها أنتجت حضارة محلية أصيلة، ذات طابع خاص، انتشر تأثيرها في المنطقة، فغطى سورية ولبنان وصولاً إلى وادي النيل، في موقع بالقرب من مدينة حلوان. ومع الانتقال إلى حياة الاستقرار، انقضى عصر الثقافات ذات الانتشار العالمي الواسع الناجم عن التنقل الدائم، والاحتكاك المستمر والتفاعل ، سلباً أو إيجاباً. وبناء على ذلك، راحت تقوم حضارات محلية في أصلها وفرعها، كانت كلما تقدمت اتخذت طابعاً أكثر استقلالية وتمحوراً حول الذات، أدّى إلى تطور متواصل ومتدرج.
وقد تضافرت الجهود لإنجاز هذه النقلة الحضارية النوعية في الشرق الأدنى، والتي تعني إنتاج الغذاء عبر الزراعة وتدجين الحيوانات، فضلاً عن الصيد والالتقاط، عوامل بيئية وإنسانية معاً. فالبيئة وفرت للإنسان، وبصورة طبيعية، الحبوب والنباتات والحيوانات القابلة للت
دجين ، الأمر الذي دعا إلى الاعتقاد أن المنطقة كانت الموطن الأصلي هذه الأجناس.
وهناك الكثير من الدراسات يثبت أن الأصول البرية لهذه النباتات والحيوانات انتشرت بصورة طبيعية في المنطقة التي تضم القوقاز واليونان وهضبة الأناضول وأواسط وشمال آسيا وشمال غرب إيران وشمال العراق وبلاد الشام ووادي النيل الشمالي.
دلائل الحضارة النطوفية
أما بالنسبة إلى العوامل الإنسانية، فتدل آثار الحضارة المادية للمجموعات البشرية التي عاشت في الشرق الأدنى القديم، على أنها حققت إنجازات كبيرة في العصور السابقة، جعلتها مهيّأة لأن تكون رائدة الحضارة في العصر الحجري الوسيط. ومن هنا، فالنقلة النوعية التي تحققت عبر الحضارة النطوفية، والتي امتدت لتغطي منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وشمال إفريقيا، وصولاً إلى تونس – حضارة قفصة – هي نتيجة سنّة التطور الطبيعي، ووليدة الحاجات الحياتية المتزايدة التي اقتضتها مستلزمات الحياة لجماعات بشرية مستقرة تتكاثر بوتيرة متسارعة، من جهة، وتلبية النزعة الدائمة لتحسين الأوضاع المعيشية لأفراد تلك الجماعات، من جهة أخرى.
ويؤكد علماء التاريخ أن تميز النطوفيين عن غيرهم يكمن في خطواتهم السريعة نحو إنتاج غذائهم، ثم في الانتقال إلى حالة من الاستقرار، وتأسيس مستوطنات دائمة في مرحلة مبكرة من الحضارة الإنسانية. وقد أصبح من المؤكد الآن أن الجماعات البشرية النطوفية تميّزت منذ البداية بحركة نزوح من المغاور والكهوف إلى المواقع المكشوفة في أرجاء الشرق الأدنى القديم كلها. وحدث ذلك بالتدريج، إذ بدأوا بناء منازل بسيطة، يسهل بناؤها كما يسهل هدمها، على المصاطب القريبة من الكهوف، وكانت على العموم مستديرة الشكل، أسفلها محفور في الأرض على عمق نصف متر تقريباً، وجُدُرها وسُقفها، من جذوع الأشجار المغطاة بالأغصان والجلود. تفيد بعض المراجع التاريخية أنه تمّ الكشف عن قرى نطوفية كثيرة، وفي مواقع متعددة، تحمل سمات عامة مشتركة، من ناحية شكل البناء، أو التعبيرات الفنية، أو طقوس الدفن، أو تقنيات صناعة الأدوات الميكروليتية الهلالية ، أو الأدوات الزراعية البازلتية. وتتركز هذه المواقع بشكل كثيف في فلسطين في السهل الساحلي الأوسط، وفي جبال القدس وسفوحها الغربية. ومن أهمها وادي الناطوف القريب على قرية شقبا
وفي غور الأردن موقعان متباعدان، غاية في الأهمية: الأول في أريحا، والثاني إلى الجنوب الغربي من بحيرة الحولة ، في جوار عين الملاحة، الذي يُعَدّ الموقع النموذج لهذه الحضارة بعد التنقيبات التي أُجريت فيه.
وموقع عين الملاحة القريب من نبع غزير يحمل الاسم نفسه، هو قرية نطوفية تبلغ مساحتها 2000 م2، اكتُشفت في الخمسينات من هذا القرن، ونقب منها جزء صغير، كشف عن ثلاث سويّات أثرية من هذا العصر.
ويتضح أن سكان القرية أتقنوا بناء البيوت المستديرة، بقطر يراوح بين 5 – 8 أمتار، أُسسها بضعة مداميك من الحجارة مغروسة في الأرض وجُدُرها من الطين، وسُقوفها من الخشب، وأرضيتها مرصوفة بالحجارة، وفي وسطها موقد، وبداخلها مخازن للحبوب ذات جُدُر من الطين القاسي جداً.
وفي الجزء الذي جرى تنقيبه من عين الملاحة عثر على أكثر من 50.000 قطعة أثرية، تعطي بمجموعها صورة شاملة لحياة مجتمع بلغ حدّاً متقدماً من الحضارة المادية والروحية، ويقدر تعداد أفراده بـ 300 شخص. وأغلبية هذه اللُّقى هي من النصال المتنوعة الدقيقة الصنع، وأدوات أخرى ميكروليتية مركّبة، هندسية الأشكال، ركّبت في أنصبة لتكون مناجل للحصاد وغيرها. كما تضم أدوات عظيمة ومخارز وإبر وصنانير لصيد الأسماك وأنصبة عظمية زينت بإشارات ورموز وصور لرؤوس غزلان وغيرها من الحيوانات.
ويسترعي الانتباه إلى وجود قطع فنية منها لوحتان حجريتان تحملان نحتاً لملامح إنسان مختزلة، وعدد كبير من أدوات الزينة والخرز والأصداف، وجدت مدفونة مع الهياكل العظمية، في معظم الأحيان تحت مصطبة البيت، إضافة إلى التعبيرات الفنية في أدوات العمل، وخصوصاً الأنصبة العظمية التي ركّبت عليه الشفرات الميكروليتية الرقيقة، ذات الأشكال الهندسية المتعددة – كالمثلث والمربع والمنحرف والهلال . . . الخ.
والواضح أن هذه الرقائق كان يصعب استعمالها من دون مقبض، فكانت تُشد إلى النصاب بواسطة ألياف الأشجار، أو خيوط من الجلد أو خيوط من أطناب الحيوانات.
مواقع نطوفية
ومن المواقع النطوفية الأكثر أهمية في فلسطين، حيث اكتُشف العدد الأكبر منها بالنسبة إلى غيرها، أريحا ومغارة شقبا ففي الطبقة السفلى من تل السلطان (أريحا القديمة)، وُجدت آثار تنتمي إلى الحضارة النطوفية – مناجل وصنانير عظمية – كما عُثر على بقايا معبد من هذا العصر، يعود بناؤه إلى الألف الثامن قبل الميلاد.
أما عند مدخل مغارة الواد ، القريبة من السهل الساحلي في جبال الكرمل، فقد اكتُشفت قرية مكوّنة من منازل مستديرة، بُنيت من الحجارة والطين والدعائم الخشبية، وفيها أدوات حجرية تعود إلى هذه الفترة.
وعند مدخل مغارة الواد اكتُشفت حفر على سطح صخري منبسط يحيط به جدار حجري، واستخلص الباحثون أن هذا البناء الكبير نسبياً استُعمل كمعبد في العصر النطوفي، فقد وجد في جواره 14 قبراً من هذا العصر. كما وجد مقبض منجل عظمي، عليه صورة رأس غزال، عثر على مثيل له في مغارة كبّارة القريبة. أما في مغارة الواد فعُثر على لوحة حدرية نُحت عليها رأس إنسان مبسّط، فضلاً عن أدوات زينة وخرز وأطواق وأعلاق وحلق مصنوع من الصدف وغيرها.
ولم تتوفر حتى الآن من الشرق الأدنى أية آثار تشير إلى تعبيرات فنية عن قيم دينية قبل العصر النطوفي. غير إنه منذ بداية الحضارة النطوفية، في الألف العاشر قبل الميلاد بدأت تتجلى عبر المكتشفات الأثرية ملامح فنون النطوفيين، المعبرة عن معتقداتهم وما يختلج في صدورهم من اهتمامات، أو ما يتفاعل في نفوسهم من مسائل الحياة، أصلها ومآلها، ومن أمور البيئة المحيطة، وما توفره أو تحجبه، وما يريح الصانع أو يزعجه.
ومن الرسوم والمنحوتات والدمى التي وصلت إلينا، يبرز الفن النطوفي تصويراً وتشخيصاً مبسطاً، تناول الحيوان بصورة عامة، والغزال بصورة خاصة، وناداً ما جسّد البشر.
فكرة الموت و البعث عند النطوفيين
ويتضح أن النطوفيين أولوا موتاهم عناية خاصة فقد كانوا يؤمنوا بفكرة الموت والبعث بعد الموت وقد دلت علي ذلك المدافن الأثرية لموتاهم ، ولا يكاد يخلو موقع جرى التنقيب فيه من مدافن للموتى ، جماعية أو فردية ، وهي حفر ضحلة متقاربة ، توضع الجثث فيها مثنيّة وأطرافها مربوطة بألياف الأشجار. وكانت لهم طقوس في الدفن أظهرت رفضهم فكرة أن الموت هو نهاية الحياة ، فزودوا الميت بحاجاته المفترضة ودفنوها معه ، من طعام وسلاح وأدوات زينة ، وكانوا يخضبون هذه الجثث ، كأنما يعدّونها لحياة أخرى. وتجدر الإشارة إلى أنه تم العثور في موقع عين الملاحة على كلبٍ دُفن مع صاحبه في قبر واحد. وقد يكون قد تمّ تدجينه في ذلك الحين.
وكشفت التنقيبات الحديثة انتشار الحضارة النطوفية ، وإن ببعض التمايزات المحلية، من بحر قزوين (مغراة بلط)، إلى تونس (قفصة)، مروراً بمصر (حلوان). أما في الهلال الخصيب فقد اكتُشفت تلك الحضارة في موقعي زارزي وشانيدار في شمال العراق ، وفي عدد كبير من المواقع في سورية: يبردو والكوم (البادية السورية) والحمر (قرب دير الزور) والطيبة (قرب درعا) وجيرود (قرب دمشق) وفي الموقعين المهمين: المريبط وأبو هريرة ، في حوض الفرات.
ووجدت أيضاً في مغارة جعيتا وغيرها في لبنان، ومواقع البيضا والعسافات وعين راحوب في الأردن ، فضلاً عن عشرات المواقع في فلسطين.
وعلى الرغم من التساؤلات التي يطرحها بعض الباحثين بشأن وجود حضارات متمايزة اجتماعياً واقتصادياً وتقنياً، وبالتالي من التحفظ على تعميم الوحدة الحضارية في هذا العصر على الشرق الأدنى، فإن منظوراً شمولياً يؤكد وجود حضارة موحدة إلى درجة كبيرة، أُطلق عليها الاسم الصُّدَقي – النطوفية ، امتدت من النيل إلى الفرات
| |
|